جزين… منبع النخبة إلى رئاسة بالصدفة؟

- الإعلانات -

من يقرأ تاريخ جزين السياسي والاجتماعي، لا يلبث أن يندهش من غنى هذه المدينة الجبلية برجالاتها الذين طبعوا الحياة الوطنية بطابع خاص. من قضاة ومفكرين، إلى نواب ووزراء، شكّلت جزين على الدوام منارةً للفكر والثقافة والوعي السياسي. لم تكن المناصب فيها تُمنح مجاملة أو على أساس شعارات، بل كانت تُنتزع بالمنافسة بين نخبة الرجال الذين يمتلكون الكفاءة والرؤية والمسؤولية.

فجزين التي أنجبت رجالًا كُثرًا حملوا همّ الدولة، وأسهموا في نهضة لبنان في أصعب مراحله، لطالما كانت ساحة تنافس مشرّف بين الأفضل، حيث تفرض المروءة والعلم والهيبة حضورها في المشهد البلدي والنيابي. واليوم، يُطرح السؤال المؤلم: هل انتهى ذلك الزمن؟

كيف يمكن لمدينة كهذه، بكل هذا التاريخ، أن تجد نفسها اليوم أمام مشهد عبثي تتقدّم فيه إلى رئاسة بلديتها شخصيات بلا رصيد علمي، أو تاريخ سياسي، أو معرفة إدارية؟ هل تحوّل منصب رئاسة بلدية جزين إلى جائزة ترضية توزع وفق الانتماء الحزبي المتقلب لمرشحيها بحسب مصالحهم لا وفق الكفاءة؟ هل أصبح من الممكن لأي “كان” أن يترشح، لا بل أن يُفرض، فقط لأنه يحظى برضى حزبي، ولو كان ذلك على حساب تاريخ المدينة ومستقبلها؟

الأخطر من ذلك، أن الحزب الذي نال ثقة أهل المنطقة ونال نائبين بأصوات الناس الذين ائتمنوه، اختار اليوم أن يضرب بثقة الناس عرض الحائط. لا احترام لمستوى المنافسة، ولا اعتبار لكرامة المدينة وتاريخها، بل استخفاف واضح بالمعايير التي لطالما طبعت العمل البلدي والنيابي في جزين.

ما يُحاك اليوم، ليس مجرد معركة بلدية. إنه محاولة خطيرة لطي صفحة من تاريخ جزين المشرّف، وإحلال عقلية الزعبرة والفرض مكان العراقة والنخبة. جزين التي صدّرت أبرز رجالات الدولة، تُهدَّد بأن تتحول إلى مدينة تُنتج رؤساء بلديات “بالصدفة” تاريخهم حافل بأسلوب الزعبرة و السلبطة والبعيد كل البعد عن مفهوم الدولة والجمهورية القوية

وإذا ما فازت هذه اللائحة، “لا سمح الله”، فإننا نكون أمام بداية النهاية لمرحلة كانت فيها جزين رمزًا للرصانة والرؤية والهيبة، لتتحول إلى مسرح لاختيار الضعف باسم الانتماء، والفراغ باسم الولاء.

إنها صرخة وفاء لمدينة لا تستحق إلا الأفضل، لا نكران الجميل ولا اغتيال الذاكرة. جزين، ببساطة، تستحق أكثر من ذلك بكثير

قد يعجبك ايضا