ارتباك واستياء إسرائيلي أميركي من دهاء وهدوء الدبلوماسية السعودية

-الإعلانات-

في خطوة سعودية تاريخة، تحمل دلالات سياسية قوية وردّ دبلوماسي هادئ على “شائعات التطبيع ” مع الكيان الإسرائيلي، عيّنت المملكة العربية السعودية أوّل سفير لها لدى ” دولة فلسطين “، قنصل عامّ في القدس، وهو نايف بن بندر السديري، بصفة “سفير فوق العادة “، مفوّض وغير مقيم لدى فلسطين بجانب مهامه كسفير أيضًا لدى المملكة الأردنية الهاشمية.

ومن يتابع الإعلام الاسرائيلي مؤخرًا يلمس وجود حالة من الارتباك في دوائر صنّاع القرار الاسرائيلية والأمريكية من الخطوة السعودية التاريخية السيادية، والتي كانت كفيلة بقلب الطاولة على أصحاب مشاريع تهويد القدس. ويقرأ صعوبة عند القيادتين، الأميركية والإسرائيلية، في فهم خطوة تعيين سفير سعودي لدى فلسطين دون التنسيق مع واشنطن أو تل أبيب.

 

التاريخ يعيد نفسه

 

القرارات السعودية السيادية هذه، لا تعكس إلا وعيًا على مستوى القيادة في المملكة، ورؤيتها تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية. وقد رسخ الملك المؤسس عبد العزيز طيب الله ثراه هذا الواقع المتماسك والحكيم، ببصمات تاريخية خالدة لا تمحى، نابعة من جهود وثبات ودعم للقضية الفلسطينية.

بصمات لا تزال حاضرة في ذاكرة السعوديين والعرب والمسلمين، وتحمل في طياتها إرث الأب المؤسس، إذ استمر أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في دعم القضية الفلسطينية حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.

 

رؤية سعودية حيال القضايا العربية

 

سطر التاريخ مواقف للمملكة العربية السعودية إزاء القضية الفلسطينية، باعتبارها الأكثر حسمًا وقوة بين مواقف الدول العربية حينها.

تجسدت إحدى تلك المواقف في لقاء الملك المؤسس عبد العزيز مع الرئيس الأمريكي آنذاك “فرانكلين روزفلت” بخصوص فلسطين. حينها، رفض الملك المؤسس موقف الولايات المتحدة من تأسيس إسرائيل وفقًا لوعد بلفور، وأكد أنه يجب السماح لليهود اللاجئين الذين طُردوا من ديارهم، العودة إلى أراضيهم التي جاءوا منها.

 

وتشهد الوثائق التاريخية على تصريحات الملك المؤسس عبد العزيز في مجلة “لايف” الأمريكية، والتي كانت واحدة من أكثر المجلات انتشارًا في ذلك الوقت. في تلك التصريحات، وصفت المجلة الملك المؤسس بأنه “أحد أقوى الرجال في العالم”، ونقلت كلماته حينما قال: “إن الاحتلال الصهيوني ظُلم للعرب والمسلمين، وليس لإسرائيل حق في دعواهم بشأن فلسطين

الملك عبد العزيز المدافع عن الهوية

 

 

ولم تنتهِ مواقف الملك عبد العزيز عند هذا الحد، حيث تذكر الوقائع التاريخية أن السفير الأمريكي بالمملكة العربية السعودية “وليام إدي”، كان قد رفع برقية إلى حكومته مطلع 1945م ذكر فيها أن الملك عبد العزيز قال له “شرف لي أن أموت شهيدًا في ميدان الجهاد دفاعًا عن فلسطين”، وكشفت الوثائق البريطانية أن الملك المؤسس رفض مساعدة بريطانية للمملكة قدرها 20 مليون جنيه إسترليني، مقابل تأييد هجرة اليهود إلى فلسطين، وقال كلمته الشهيرة للمندوب البريطاني: “عبدالعزيز لا يبيع حفنة واحدة من تراب فلسطين بكل مال الدنيا”

وبشأن سيادة فلسطين، وجه الملك عبدالعزيز رسالة مطولة إلى الرئيس الأمريكي السابق ” روزفلت “، في العام ذاته، أكد فيها أن حق العرب في فلسطين لا يحتاج إلى اعترافات أو بيانات، وأن العرب هم سكان فلسطين منذ أقدم عصور التاريخ وكانوا سادتها والأكثرية الساحقة فيها في كل العصور، ولهم حقوق ثابتة أهمها حق الاستيطان منذ العام 350 قبل الميلاد.

 

دفاعا عن فلسطين

 

تعد حرب فلسطين عام 1948م أولى الحروب التي شارك فيها الجيش السعودي بعد تأسيس الدولة السعودية الثالثة، حيث أرسل الملك المؤسس عبد العزيز، الجيش السعودي وقوات عسكرية ومتطوعين وكميات كبيرة من الذخائر والبنادق إلى الثوار في فلسطين، وتوجهت الدفعة الأولى بالطائرات، فيما أرسلت بقية القوات السعودية بالبواخر، وبلغ عدد الضباط وأفراد الفرق قرابة الثلاثة آلاف ومائتي ضابط وجندي… وفي هذا الصدد تشير الذاكرة التاريخية إلى بسالة وعزيمة السعوديين في المعارك التي خاضوها إلى جانب الجيوش العربية في الحروب التي كانت القضية الفلسطينية هي شرارتها الأولى.

وفي وداع العسكرين والمتطوعين السعوديين في الحرب العربية عقب الإعلان عن خطة توطين اليهود في فلسطين، كلمات وجهها المؤسس الملك عبد العزيز لهم قائلا “أبناء فلسطين أبنائي.. فلا تدخروا جهدًا في مساعدتهم وتحرير أراضيهم،” ولم يكن ذلك سوى مجرد بداية في تاريخ ملحمة طويلة من الدعم السعودي.

فلسطين تثمن تضحيات السعوديين

 

أعرب الباحث في انتهاكات حقوق الإنسان، الدكتور عبد العزيز طارقجي، في تصريح لـ “جسور”، عن تأكيده أن المملكة العربية السعودية كانت ولا تزال أكبر داعم للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني على جميع الجوانب، من الماضي وحتى الحاضر. تأكيداً على موقفها الثابت، أكدت المملكة السعودية أن فلسطين تمثل القضية الأهم بالنسبة لها، ونفذت دعمًا واضحًا على مستويات متعددة، سواء في السياسة والدبلوماسية أو الاجتماعية والإنسانية، في جميع المحافل الدولية.

 

واستدرك أن أي تعبير أو كتابة لن يكون كافياً لوصف وتعبير عن مدى الدعم الواضح الذي قدمته المملكة العربية السعودية لفلسطين على مر السنين.

 

أضاف الدكتور عبد العزيز طارقجي، ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للعمل الإغاثي والإنساني، قدمت المملكة العربية السعودية إلى الشعب الفلسطيني كافة أشكال الدعم الاقتصادي والإغاثي على مدى عقود من الزمن. استمرت المملكة في تقديم الدعم المالي لفلسطين منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، حفظه الله، واستمر ذلك حتى الوقت الحاضر تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهم الله.

 

وأكد أنهما لم يدخرا جهدًا في دعم القضية الفلسطينية والفلسطينيين سواء عبر الإغاثة المباشرة أو التمويل، بالإضافة إلى الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تقدمه المملكة لدعم القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية.

 

السعودية داعم قوي للأونروا

 

أوضح الدكتور عبد العزيز طارقجي أنه منذ إنشاء منظمة “الأونروا” التي تعنى بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، قدمت المملكة العربية السعودية دعمًا واسعًا لهذه المنظمة الدولية. وعملت المملكة على تقديم المساعدات والدعم لإغاثة وتوظيف الفلسطينيين داخل فلسطين وفي الشتات في الدول المجاورة، وبخاصة في مخيمات لبنان وسوريا والأردن.

 

وأشار إلى أن هذا الدعم ينبع من إيمان المملكة العربية السعودية الراسخ بأهمية تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وتقديم الدعم للفلسطينيين اللاجئين في مختلف المناطق. تؤكد هذه المساعدات التزام المملكة بمساعدة الشعب الفلسطيني في مختلف جوانب حياتهم، وتخفيف آثار المعاناة التي يواجهونها بسبب النزاع والنزوح.

خطوة سعودية تاريخية

 

ولفت الدكتور عبد العزيز طارقجي إلى أهمية موقف المملكة العربية السعودية في تعيينها أوّل سفير لها لدى “دولة فلسطين”، السفير نايف بن بندر السديري، بصفة سفير فوق العادة مفوّض وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصل عامّ في القدس، إلى جانب مهامه كسفير لدى الأردن. واعتبر أن هذا القرار يمثل صفعة كبيرة للمشككين في التزام المملكة العربية السعودية بثوابتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية وتمسك المملكة العربية السعودية بمبادرة السلام العربية التي اقرت في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002.

طارق أبو زينب – جسور

قد يعجبك ايضا