وثائق بريطانية كشفت عن محاولات لتوني بلير قبل 20 عاما للاستفادة من رفيق الحريري بهدف تقويض الجانب العكسري للحزب

-الإعلانات-

كشفت وثائق بريطانية حديثة عن محاولات حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، قبل عشرين عاما، للاستفادة من رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري بهدف تقويض الجانب العسكري لـ”حزب الله”، وهو الهدف الذي كان محط اهتمام أميركا وبريطانيا في ذلك الوقت.

ووفقا لتلك الوثائق التي تم رفع السرية عنها مؤخرا فإن المملكة المتحدة قامت بإجراء حوار سري “مفيد” مع “حزب الله”، حيث أصرت على استمرار هذا الحوار رغم فشله في إقناع الحزب بالتقييد بأنشطته إلى المجال السياسي فقط.

 

ودعا بلير الحريري، في تموز 2003، لزيارة لندن، وذلك بعد شهر من محادثات بينه وبين رئيس الوزراء الفرنسي جاك شيراك.

ووصف شيراك الحريري بأنه “ذو رؤى نافذة البصيرة” و”معلق ذكي بشأن عملية السلام وخاصة فيما يتعلق بتفكير الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات”، ونصح شيراك بلير بالاستماع إلى الحريري وفقا لوثائق رئاسة الحكومة البريطانية.

وكشفت الوثائق عن تفاصيل حوار سري بين بريطانيا و”حزب الله” وعن محاولات لاستخدام الحريري كوسيلة لتقويض الجانب العسكري لـ”حزب الله”.

ورغم دعوة الحريري لزيارة 10 داوننغ ستريت مقر الحكومة البريطانية، كان تقييم وزارة الخارجية يظهر “الشك في أن لدى الحريري أي رؤية خاصة ذات بصيرة نافذة بشأن دوافع عرفات”.

وأكدت وزارة الخارجية في ذلك الوقت أن الحريري “يستحق الإنصات إليه لأنه منخرط إلى حد بعيد في السياسات الإقليمية كما أنه في الوقت نفسه وبسبب ثروته الهائلة مراقب شبه مستقل لها”. كما أشارت الوثائق إلى أهمية استكشاف نواياه خاصة فيما يتعلق بالعلاقات السورية والرئيس السوري بشار الأسد.

وأفاد مكتب وزير الخارجية البريطاني بوجود “تهديد وجودي” ينبعث من جناح الأمان الخارجي لـ”حزب الله” المعروف بالتنظيم الجهادي، حيث كشف التقرير عن خطط طارئة لشن هجمات على المصالح الغربية في حالة تعرضه لأي هجوم أو تهديد يُعتبر وجوديا.

وأشار المكتب إلى وجود حوار مفيد مع الجناح السياسي لـ”حزب الله”، حيث استنتج البريطانيون أن هناك تنوعا في الآراء داخل الحزب حول المستقبل. كما أكدت الخارجية البريطانية على أهمية استمرار الحوار لتحقيق تأثير فعّال خاصة مع الإشارة إلى أن المعنيين بالإرهاب داخل الحزب يمتلكون تأثيرا جوهريا.

وأشارت السفارة البريطانية في تقدير للوضع الأمني في لبنان إلى أن الحكومة اللبنانية “غير متكاتفة” في جهود مكافحة الإرهاب حيث نادرا ما يتم تنفيذ عمليات تشارك فيها الأجهزة المختلفة. وأثناء زيارة الحريري إلى لندن نصحت السفارة بالتعبير عن رغبة بريطانيا في “مساعدة اللبنانيين على تعزيز قدراتهم في مجال مكافحة الإرهاب”.

كما دعا ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا إلى ممارسة ضغوط على أعلى المستويات لمنع التصعيد العسكري على الحدود بين إسرائيل ولبنان. وأبلغ ريتشارد كيتشن سفير بريطانيا في بيروت حكومته بأن دي ميستورا حذر من أن الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي اللبناني ورد “حزب الله” بإطلاق النيران المضادة للطائرات على إسرائيل “تشكل أعظم تهديد للاستقرار على طول الخط الأزرق” الفاصل بين إسرائيل ولبنان.

وجاء التحذير خلال لقاء دي ميستورا مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، حيث نقل السفير طلب المبعوث الدولي بممارسة الضغط على الطرفين على مستوى القمة وأبلغهم أيضا بتقارير أعدتها قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفيفل”.

واستخلص كيتشن من لقاء السفراء أن إسرائيل وحزب الله “يشاركان في الاستفزاز ويستغل كل منهما أفعال الآخر لتبرير أفعاله مما قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود خاصة إذا تسببت أفعال أحدهما في مقتل مدنيين” كما أكد السفير أن بلير سيكون لديه “فرصة لبحث هذا الأمر” مع الحريري خلال مباحثاتهما في لندن.

ولم يكن الانصراف نحو ملف حزب الله هو الدافع الوحيد وراء استجابة توني بلير لنصيحة جاك شيراك بالاستماع إلى الحريري. فقد كانت نصيحة شيراك تركز على رؤية الحريري الذكية حول عملية السلام وخاصة في تعامله مع تفكير ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني.

وأفادت الوثائق بأن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش حاول دون جدوى في عام 2001 البحث عن بديل لعرفات.

ورغم أن الخارجية البريطانية لم تقبل رأي شيراك حول تأثير الحريري على عرفات إلا أنها نصحت بأن يركز بلير على إثارة مسألة التعاون مع عرفات وأبو مازن وتأكيد أهمية عملهما المشترك بدلا من التعثر في العلاقة بينهما.

وكان الشرق الأوسط يشهد حديثا عن “خريطة الطريق” التي اقترحتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين حيث أغفلت تماما المسارين السوري واللبناني. واعتبر لبنان بدوره أن كل ما يلزم هو أن تلتزم إسرائيل بقرارات الأمم المتحدة بشأن النزاع الشامل في المنطقة.

ورأى السفير البريطاني أن زيارة رفيق الحريري تمثل فرصة لتطمين اللبنانيين بأن بريطانيا ما زالت تدرك الحاجة إلى إدماجهم وكذلك السوريين في تسوية نهائية. ونصح السفير بإخطار الحريري بأن اللبنانيين والسوريين لا يمكنهم أن يتوقعوا أن تتخذ إسرائيل خطوة من دون استعدادهم لاتخاذ خطوات أيضا.

وأشار إلى أن تلك الخطوات تتضمن نشر الجيش اللبناني بفعالية في الجنوب تماشيا مع قرارات الأمم المتحدة وتحقيق انسحاب حزب الله ونزع سلاحه وتحديد مصير الرهائن الذين يحتجزهم حزب الله والتحرك أيضا في مسألة المشاركة في الموارد المائية وحق العودة.

وتُشير الوثائق إلى وجود خلافات بين بريطانيا والولايات المتحدة حول طبيعة الوجود السوري في لبنان. ففي حين أصرت الولايات المتحدة على وصف هذا الوجود بأنه “احتلال” واعتبر السفير البريطاني في بيروت أن هذا التعبير “مضلل”.

ورأت بريطانيا أن العلاقة بين سوريا ولبنان تظل معقدة مع التأكيد على أن لبنان يظل بلدا مستقلا تماما وأكثر حرية بكثير من جاره السوري.

وتسلط الأحداث الأخيرة الضوء على التحولات في العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة في التعامل مع التحديات الإقليمية. وفي سياق هذا التحول كانت هناك مراجعة للعلاقة بين سوريا ولبنان والتي أكد السفير البريطاني أن موقف بلاده يدعم التطور الإيجابي في هذه العلاقة.

ونصحت الخارجية البريطانية في محاولة لتحقيق توازن في المنطقة باستخدام الحريري كوسيلة لتعزيز ال​سياسة​ البريطانية الأمريكية في العراق بعد تشكيل مجلس الحكم.

وكان الأمل في أن يقدم لقاء الحريري مع بلير فرصة للترويج لدور مجلس الحكم الجديد في لبنان. وأشارت الخارجية إلى أن الحريري يعتبر أهمية المملكة المتحدة ويقدر نفوذ رئيس الوزراء البريطاني في المنطقة مما يتيح للمملكة المتحدة فرصة لتعزيز اهتمامها في لبنان.

وتوقعت الخارجية أن يكون لدى الحريري اهتمام بالرد على الرسائل الرئيسية حول العراق مع التأكيد على أهمية الحوار بشأن خطط المملكة المتحدة في هذا السياق.

يذكر أن محضر اللقاء بين بلير والحريري لم يتم رفع السرية عنه حتى الآن والذي عقد في 29 تموز 2003.

قد يعجبك ايضا